• تتكرر أسئلة في موضوع واحد نحو:أيهما أفضل حضور الدرس أو اتباع الجنازة؟وهكذا هل الأفضل الجهاد أو طلب العلم؟ونحو هذه الأسئلة حين تتعارض عند الإنسان عبادتان فبأيهما يبدأ أو أيهما يقدم؟

    :العنوان
  • فتاوى مفرغة

    :التصنيف
  • 5 October، 2025

    :تاريخ النشر
  • 34

    :عدد الزيارات

تتكرر أسئلة في موضوع واحد نحو:أيهما أفضل حضور الدرس أو اتباع الجنازة؟وهكذا هل الأفضل الجهاد أو طلب العلم؟ونحو هذه الأسئلة حين تتعارض عند الإنسان عبادتان فبأيهما يبدأ أو أيهما يقدم؟

الجواب:

إذا كان يمكن أن يجمع بينهما فيجمع بينهما وهذا أفضل، وإذا كان لا يمكن الجمع بينهما فقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله قاعدة جميلة نافعة في كتابه “مدارج السالكين” (135/1) طبعة دار عالم الفوائد، وبمعرفة هذه القاعدة يستطيع الإنسان أن يرجح بين العبادات التي تعرض له ولا يدري أيها يقدم، هل يقدم هذه العبادة أو هذه، ولا يمكنه الجمع بينها، قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
“أفضل العبادة العمل على مرضاة الرب تعالى في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته، فأفضل العبادة في وقت الجهاد الجهاد وإن آل إلى ترك الأوراد من صلاة الليل، وصيام النهار، بل ومن ترك إتمام صلاة الفرض كما في حالة الأمن.

والأفضل في وقت حضور الضيف مثلا القيام بحقه والاشتغال به عن الورد المستحب، وكذلك في أداء حق الزوجة والأهل.

والأفضل في وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل الإقبال على تعليمه والاشتغال به.

والأفضل في أوقات السحر الاشتغال بالصلاة والقراءة والدعاء والذكر.

والأفضل في وقت الأذان ترك ما هو فيه من ورده والاشتغال بإجابة المؤذن.

والأفضل في أوقات الصلوات الخمس الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه والمبادرة إليها في أول الوقت والخروج إلى الجامع وإن بُعد كان أفضل.

والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه أو البدن أو المال الاشتغال بمساعدته وإغاثة لهفته وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك.

والأفضل في وقت قراءة القرآن جمعية القلب والهمة على تدبره وتفهمه حتى كأن الله تعالى يخاطبك به فتجمع قلبك على فهمه وتدبره والعزم على تنفيذ أوامره أعظم من جمعية قلب من جاءه كتاب من السلطان على ذلك.

والأفضل في وقت الوقوف بعرفة الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصوم المضعف عن ذلك.

والأفضل في أيام عشر ذي الحجة الإكثار من التعبد لا سيما التكبير والتهليل والتحميد فهو أفضل من الجهاد غير المتعين.

والأفضل في العشر الأخيرة من رمضان لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكاف دون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء.

والأفضل في وقت مرض أخيك المسلم أو موته عيادته وحضور جنازته، وتشييعه وتقديم ذلك على خلوتك وجمعيتك.

والأفضل في وقت نزول النوازل وأذى الناس لك أداء واجب الصبر مع خلطتك لهم دون الهرب منهم فإن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه، والأفضل خلطتهم في الخير فهي خير من عزلتهم فيه، وعزلتهم في الشر فهي أفضل من خلطتهم فيه فإن علم أنه إذا خالطهم أزاله أو قلله فهي خير من عزلتهم.

فالأفضل في كل وقت وحال إيثار مرضاة الله تعالى في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه.
وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق والأصناف قبلهم أهل التعبد المقيد.
فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه يرى نفسه كأنه قد نقص وترك عبادته فهو يعبد الله على وجه واحد، وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره بل غرضه تتبع مرضاة الله أين كانت، فمدار تعبده عليها فهو لا يزال منتقلا في منازل العبودية كلما رفعت له منزلة عمل على سيره إليها واشتغل بها حتى تلوح له منزلة أخرى فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره، فإن رأيت العلماء رأيته معهم، وإن رأيت العباد رأيته معهم، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم، وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم، وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم.
فهذا هو العبد المطلق الذي لم تملكه الرسوم، ولم تقيده القيود، ولم يكن عمله على مراد نفسه وما فيه لذتها وراحتها من العبادة؛ بل على مراد ربه عز وجل ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سِواه فهذا المتحقق (بإياكَ نعبدُ وإياكَ نستعين) حقا القائم بهما صدقا. ملبسه ما تهيأ، ومأكله ما تيسر واشتغاله بما أمر به في كل وقت بعينه، ومجلسه حيث انتهى، ووجده خاليا. لا تملكه إشارة، ولا يتعبده قيد ولا يستولي عليه رسم، حر مجرد دائر مع الأمر حيث دار يدين بدين الآمر أنّى توجهت ركائبه، ويدور معه حيث استقلت مضاربه، يأنس به كل محق ويستوحش منه كل مبطل، كالغيث حيث وقع نفع، وكالنخلة لا يسقط ورقها وكلها منفعة حتى شوكها، وهو موضع الغلظة منه على المخالفين لأمر الله، والغضب إذا انتهكت محارم الله فهو لله وبالله ومع الله قد صحب الله بلا خلق وصحب الناس بلا نفس، بل إذا كان مع الله عزل الخلائق من البين وتخلى عنهم، فواها ما أغربه بين الناس وما أشد وحشته منهم وما أعظم أنسه بالله وفرحه به وطمأنينته به وسكونه إليه والله المستعان وعليه التكلان” انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.
وهذه فائدة جميلة وقاعدة نافعة في أن الإنسان يسعى في كل وقت بالعبادة التي يقتضيها ذلك الوقت؛ يسعى في كل وقت بالطاعة التي تناسب؛ لإن قصده مرضاة الله جل وعلا وهذا هو مرضاة الله جل وعلا، ففي وقت طلب العلم يطلب العلم، وفي وقت الجهاد يجاهد في سبيل الله، في وقت تشييع جنازة أخيه المسلم يتبع الجنازة، في وقت عيادته للمريض يعوده، في وقت الصلاة يصلي، في وقت الصيام يصوم، في وقت أذان المؤذن يتابع المؤذن وهكذا؛ لأن بعض الناس يألف بعض العبادات، وهي عبادة وخير؛ لكن قد يترك أهم منها؛ لأنه قد ألف تلك العبادة وارتاح لها فهو يتعبد بعبادة وافقت هواه وافقت ما تريد نفسه؛ قد تأتي عبادة شاقة عليه فيتركها ويقول أنا في عبادة وهو إنما يغالط نفسه وإلا فإنه قد ترك العبادة الأهم التي يقتضيها ذلك الوقت والتي يكون فعلها فيه أنفع، والله أعلم.

أجاب عنه فضيلة الشيخ : رشاد الضالعي حفظه الله.