بيان أثر الصدقة في شفاء الأمراض
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فهذه فائدة ،في بيان تأثير الطاعات ولا سيما الصدقات في رفع البلاء، وشفاء الأمراض.
قال ابن القيم : في زاد المعاد (4/10-11): بَلْ هَاهُنَا مِنَ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي تَشْفِي مِنَ الْأَمْرَاضِ مَا لَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهَا عُقُولُ أَكَابِرِ الْأَطِبَّاءِ، وَلَمْ تَصِلْ إِلَيْهَا عُلُومُهُمْ وَتَجَارِبُهُمْ وَأَقْيِسَتُهُمْ، مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْقَلْبِيَّةِ، وَالرُّوحَانِيَّةِ، وَقُوَّةِ الْقَلْبِ وَاعْتِمَادِهِ عَلَى الله، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالِالْتِجَاءِ إلَيْهِ، وَالِانْطِرَاحِ وَالِانْكِسَارِ بَيْنَ يَدْيِهِ، وَالتَّذَلُّلِ لَهُ، وَالصَّدَقَةِ، وَالدُّعَاءِ وَالتَّوْبَةِ، وَالِاسْتِغْفَارِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْـخَلْقِ، وَإِغَاثَةِ الْـمَلْهُوفِ، وَالتَّفْرِيجِ عَنِ الْـمَكْرُوبِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَدْوِيَةَ قَدْ جَرَّبَتْهَا الْأُمَمُ عَلَى اخْتِلَافِ أَدْيَانِهَا وَمِلَلِهَا، فَوَجَدُوا لَهَا مِنَ التَّأْثِيرِ فِي الشِّفَاءِ مَا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ عِلْمُ أَعْلَمِ الْأَطِبَّاءِ، وَلَا تَجْرِبَتُهُ، وَلَا قِيَاسُهُ، وَقَدْ جَرَّبْنَا نَحْنُ وَغَيْرُنَا مِنْ هَذَا أُمُورًا كَثِيرَةً، وَرَأَيْنَاهَا تَفْعَلُ مَا لَا تَفْعَلُ الْأَدْوِيَةُ الْحِسِّيَّةُ. انتهى.
وقال ابن القيم : أيضا في الوابل الصَّيِّب ص(31): فإن للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلُّهم مُقرُّون به لأنهم جَرَّبوه.
وقال المناوي : في فيض القدير (3/515): أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمداواة المرضى بالصدقة([1])، ونبَّه بها على بقية أخواتها من القُرَبِ، كإغاثة ملهوف ،وإغاثة مكروب، وقد جرَّب ذلك الموفَّقُون فوجدوا الأدوية الروحانية تفعل ما لا تفعله الأدوية الحسية.
وفي كتاب شعب الإيمان للبيهقي : (3281) عَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعي : قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَدْفَعُ عَنِ الرَّجُلِ الظَّلُومِ.
وأخرجه البيهقي أيضا في الشعب (3081) من طريق أخرى بلفظ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الرَّجُلَ الظَّلُومَ إِذَا تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ دَفَعَ عَنْهُ.
قلت: وقد وقعت وقائع كثيرة تؤيد ما سبق وتدل عليه، فمن ذلك:
ما جاء في كتاب شعب الإيمان للبيهقي : (5/69) (3109) قال :: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْـمُعَدِّلُ الْـمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ عَبْدَانَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ الْجَرَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْـمُبَارَكِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قُرْحَةٌ خَرَجَتْ فِي رُكْبَتِي مُنْذُ سَبْعِ سِنِينَ، وَقَدْ عَالَجْتُ بِأَنْواعِ الْعِلَاجِ، وَسَأَلْتُ الْأَطِبَّاءَ فَلَمْ أَنْتَفِعُ بِهِ، قَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَوْضِعًا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى الْـمَاءِ فاحْفُرْ هُنَاكَ بِئْرًا، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَنْبُعَ هُنَاكَ عَيْنٌ، وَيُمْسِكُ عَنْكَ الدَّمُ. فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرِئَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَفِي هَذَا الْـمَعْنَى حِكَايَةُ قُرْحَةِ شَيْخِنَا الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللهِ رَحِمَهُ اللهُ، فَإِنَّهُ قَرِحَ وَجْهُهُ وَعَالَجَهُ بِأَنْواعِ الْـمُعَالَجَةِ فَلَمْ يَذْهَبْ وَبَقِيَ فِيهِ قَرِيبًا مِنْ سَنَةٍ، فَسَأَلَ الْأُسْتاذَ الْإِمَامَ أَبَا عُثْمَانَ الصَّابُونِيَّ أَنْ يَدْعُو لَهُ فِي مَجْلِسِهِ يَوْمَ الْـجُمُعَةِ فَدَعَا لَهُ، وَأَكْثَرَ النَّاسُ في التَّأْمِينِ، فَلَمَّا كَانَتِ الْـجُمُعَةُ الْأُخْرَى أَلْقَتِ امْرَأَةٌ فِي الْـمَجْلِسِ رُقْعَةً بِأَنَّهَا عَادَتْ إِلَى بَيْتِهَا، وَاجْتَهَدَتْ فِي الدُّعَاءِ لِلْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَرَأَتْ فِي مَنَامِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَهَا: قُولُوا لِأَبِي عَبْدِ اللهِ: يُوسِّعُ الْـمَاءَ عَلَى الْـمُسْلِمِينَ، فَجِئْتُ بالرُّقْعَةِ إِلَى الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللهِ فَأَمَرَ بِسِقَايَةِ الْـمَاءِ بُنِيَتْ عَلَى بَابِ دَارِهِ وَحِينَ فَرَغُوا مِنَ الْبِنَاءِ أَمَرَ بِصَبِّ الْـمَاءِ فِيهَا وَطُرِحَ الْجَمَدَ (يعني الثلج) فِي الْـمَاءِ، وَأَخَذَ النَّاسُ فِي الشُّرْبِ فَمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُسْبُوعٌ حَتَّى ظَهَرَ الشِّفَاءُ، وَزَالَتْ تِلْكَ الْقُرُوحُ، وَعَادَ وَجْهُهُ إِلَى أَحْسَنِ مَا كَانَ، وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ سِنِينَ.
وفي معجم السفر لأبي طاهر السِّلَفِي (827) قال :: سَمِعت أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيٍّ الْكَاتِبَ الْـمَيْنَزِيَّ بِدِمَشْقَ يَقُولُ سَمِعت أَبَا بَكْرٍ الْـخَبَّازِيَّ بِنَيْسَابُورَ يَقُولُ: مَرِضْتُ مَرَضًا خَطرًا، فَرَآنِي جَارٌ لِي صَالِحٌ فَقَالَ: اسْتَعْمِلْ قَوْلَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ)، وَكَانَ الْوَقْتُ صَيفًا، فَاشْتَرَيْتُ بِطِّيخًا كَثِيرًا، وَاجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَأَكَلُوا وَرَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إِلَى الله عَزَّ وَجَلَّ وَدَعَوْا لِي بِالشِّفَاءِ، فَوَالله مَا أَصْبَحْتُ إِلَّا وَأَنَا فِي كُلِّ عَافِيَةٍ مِنَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه/
أبو عبدالرحمن رشاد بن أحمد الضالعي
وفقه الله وهداه وسدده
في دار الحديث السلفية للعلوم الشرعية بالضالع
بتاريخ 25 رجب 1441هـ
[1])) يشير : إلى حديث: (داووا مرضاكم بالصدقة). وهو حديث ضعيف، رُوي عن جماعة من الصحابة ي من طرق كلها شديدة الضعف، وأحسن ما في الباب مرسل عن الحسن البصري :.