• نعمة الأمن ضرورة من ضروريات الحياة يجب الحفاظ عليها

    :العنوان
  • نصائح

    :التصنيف
  • 1442-7-1

    :تاريخ النشر
  • 365

    :عدد الزيارات

نعمة الأمن ضرورة من ضروريات الحياة يجب الحفاظ عليها

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه ،ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا  وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له،  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده  ورسوله.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].

 ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ – ٧١].

أما بعد:

* فإن من نعم الله العظيمة التي أنعم بها على عباده، وامتن عليهم بها في كثير من مواضع القرآن لهي نعمة الأمن والأمان، والسكينة والاستقرار، هذه النعمة التي هي ضرورة من ضروريات الحياة، فلا تستقر حياة العباد ولا تنتظم إلا بها.

 * الأمن من أعظم النعم بعد الإيمان، فالأمن ضدُّ الخوف، الأمن طمأنينةُ القلب، وسكينتُه ، وراحتُه، وهدوؤُه، فلا يخاف الإنسان مع

الأمن على الدين، ولا على النفس، ولا على العرض، ولا على المال، ولا على الحقوق.

فالأمن أصل من أصول الحياة البشرية، وضرورة من ضرورياتها، لا تزدهر الحياة ولا تنمو ولا تطيب بغير الأمن.

ما قيمة المال إذا فقد الأمن؟! ما طيب العيش إذا انعدم الأمن ؟! كيف تنتعش مناشط الحياة بدون الأمن؟!.

الأمن يُنشر في ظلِّه العلم ، وتتوسَّع في وجوده الدعوة إلى الخير، الأمن تطمئن معه النفوس ،وتتعدد أنشطة البشر النافعة، ويتبادلون المصالح والمنافع، بالأمن تدر الخيرات والبركات، وتأمن السبل والطرقات، وتتسع التجارات والمعاملات، وتُشيَّد المصانع التي يحتاجها المسلمون، ويزيد الحرث والنسل، وتحقن الدماء، وتحفظ الأموال والحقوق، وتتيسر الأرزاق، ويعظم العمران، وتسعد وتبتهج الحياة في جميع مجالاتها مع الأمن.

* بالأمن يُكبَت الظلمة والمعتدون، ولا يجدون مجالا للتسلُّط على المسلمين.

* ولأجل ذلك امتنَّ الله على العباد بالأمن في كثير من آيات القرآن، بل بدأ الله به قبل الرزق لأنه من أسباب وجوده والالتذاذ به، فقال ]تعالى: [لإيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ.

وقال تعالى: [أَوَلَمْ نُمَكّن لَّـهُمْ حَرَماً ءامِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَيْء رزْقاً مّن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ].

وقال جلَّ ذكره: [أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ].

وقال عزَّ وجلَّ: [إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِله عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ].

ففي هذه الآيات يمتن الله على قريش بما جعلهم فيه من الأمن والاستقرار، بينما كان من حولهم من العرب في قلق وخوف يقتل بعضهم بعضا وينهب بعضهم بعضا.

* وكان هذا الأمن الحاصل في هذا البلد الحرام ببركة دعوة خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقد دعا الله أن يجعل فيه الأمن والأمان، وجعل هذه الدعوة مقدَّمة على الدعوة بالأرزاق، فإن الأرزاق لا تطيب إلا بالأمن قال تعالى عن خليله إبراهيم: [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ].

وقال تعالى: [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ].

فانظر كيف كان حرص خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام على حصول الأمن والاستقرار.

* ولذا لـمَّـا أُخِيْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البلد هو وصحابته رضي الله عنهم خرجوا منه وتركوه وهو أحبُّ أرض الله إليهم، ومع ذلك تركوه لـمَّـا فاتهم الأمن فيه، فإن البلدان لا قيمة لها إذا ذهب أمنها واستقرارها، بل يضطرُّ أهلها إلى تركها والرحيل عنها؛ بحثا عن الأمن والاستقرار إذ لا حياة مطمئنة بدونه، ومع ذلك فقد وعد الله نبيه ع وبشَّره أنه سيعيده إلى مكة آمنا مطمئنا، فقال تعالى: [لَقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ الله آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا].

* وهكذا امتن الله على قوم سبأ بما أنعم به عليهم من الأمن، بل جعل ذلك من أكبر النعم التي ذكَّرهم بها، فقال تعالى: [لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ].

فكانوا يسافرون المسافات الطويلة وهو آمنون، وكان هذا من أعظم نعم الله عليهم.

* الأمن نعمة ذكَّر الله بها الأمم السابقة واللاحقة على ألسن أنبيائه ورسله، قال تعالى مخبراً عن قول نبيه صالح عليه الصلاة والسلام لقومه، يخاطبهم ويذكرهم نعم الله عليهم: [أَتُتْرَكُونَ فِيمَا هَاهُنَا ءامِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ * فَاتَّقُواْ الله وَأَطِيعُونِ * وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِى الأرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ].

* فالأمن نعمة عظيمة من حصل عليها فقد حاز الخير الكثير، ففي سنن الترمذي وابن ماجه وغيرهما عن عُبَيد الله بِن مِحْصَنٍ الأَنْصارِيِّ الخَطْمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: [منْ أَصبح مِنكُمْ آمِناً في سِرْبِهِ –يعني في قومه وأهله وعياله-، مُعَافَىً في جَسدِه، عِندهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحذافِيرِها].

فمن حصل على الأمن والعافية مع القوت الذي يحتاجه؛ فإنه قد نال الخير الكثير في هذه الدنيا، وكأنما جُمعَت له الدنيا بما فيها.

* ولضرورة الأمن كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به في مطلع كل شهر ففي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي عن طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ الله ا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلالَ، قَالَ: [اللهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ وَالْإِسْلامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ]. وقد حسنه بشواهده الإمام الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1816.

ففي أول كل شهر يدعو نبينا ع بهذه الدعوة العظيمة حين يرى الهلال قد ظهر في أول أيامه.

الأمن مما امتن الله به على أهل الجنة التي هي دار النعيم المقيم، التي ليس فيها منغِّصات ولا مكدِّرات، بل هي دار النعيم الخالص، وكان من أعظم النعم التي فيها نعمة الأمن، وأن أهلها لا خوف عليهم فقال تعالى: [وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ].

وقال تعالى: [إِنَّ الْـمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ].

وقال تعالى: [يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ].

بل سمى الله الجنة بالمقام الأمين فقال تعالى:[ إِنَّ الْـمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ  أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُون].

قال ابن القيم رحمه الله في حادي الأرواح: والمقام الأمين مَوضُع الإقامة، والأمين الآمن من كل سوء وآفة ومكروه، وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلها، فهو آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص، وأهلُه آمنون فيه من الخروج والتنغيص والنكد، والبلد الأمين الذي قد أمن أهلُه فيه مما يخاف منه سواهم، وتأمل كيف ذكر سبحانه الأمن في قوله تعالى: [إِنَّ الْـمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِين_ وفي قوله تعالى: [يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِين]_ فجمع لهم بين أَمْنِ المكان، وأمن الطعام، فلا يخافون انقطاع الفاكهة، ولا سوء عاقبتها ومضرَّتها، وأَمْنِ الخروج منها، فلا يخافون ذلك، وأَمْنِ الموت فلا يخافون فيها موتا. انتهى كلامه :.

*ولأهمية الأمن كان نزْعُه وإحلال الخوف بدلا عنه من العقوبات التي يعاقب الله بها من شاء من عباده، ومن الابتلاء النازل بهم، فقال عزَّ وجلَّ: [وَضَرَبَ الله مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الْـجُوعِ وَالْـخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ].

وقال تعالى: [وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْـخَوْفِ وَالْـجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ]

* فإذن الأمن من أعظم نعم الله على عباده، ولا قيام لحياة العباد بدونه، فيجب عليهم الحفاظ عليه ورعايته، والوقوف ضد كل من يريد الإخلال به وزعزعته؛ لأن ذلك يؤدي إلى فساد الحياة؛ إذ لو ذهب الأمن لتسلَّط الظَّلمة، ولَتَمكَّن المجرمون، ولتطاولوا على الناس، ولدخل الرعب في قلوبهم، وفشا الخوف في أسواقهم ومساجدهم ومجتمعاتهم عموما، فلا يستطيع المصلي أن يخرج إلى مسجده، ولا يستطيع المعلِّم أن يقوم بتعليمه، ولا التاجر أن يقوم بتجارته، وإذا كان كذلك فسدت حياة الناس.

* وإن من أعظم ما يُحفظ به الأمن والاستقرار لهو توحيد الله وعبادته وإقامة طاعته قال تعالى: [وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ].

ولذا سلب الله الأمن عن أهل مكة لما كفر أهلها بما دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا سلب الأمن عن أهل سبأ لما أعرضوا عن طاعة الله وما دعتهم إليه الرسل.

فبالطاعة لله وإقامة توحيده وعبادته يفشو الأمن والاستقرار.

* وهكذا يُحفظ الأمن والاستقرار بتطبيق شرع الله وإقامة الحدود، فإن الظالم المعتدي إذا علم أن هناك حدودا زاجرة ارتدع عن الظلم والاعتداء، وبذلك يَنْعم الناس ويعيشون حياتهم آمنين مطمئنين، وهذا هو السِّر في قوله تعالى: [وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون] فإن الْقَاتِل إِذا علم أَنه سيُقتَل قصاصا بِمن قَتله، كَفَّ عَن الْقَتْل وارتدع وآثر حُبَّ حَيَاته وَنَفسه فَكَانَ فِي ذلك حَيَاة لَهُ وَلمن أَرَادَ قَتله فيحيا الجميع وبذلك تتحقق الحياة الآمنة، فَلَوْلَا الْقِصَاصُ لَفَسَدَ الْعَالَمُ، وَأَهْلَكَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ابْتِدَاءً وَاسْتِيفَاءً.

* وهكذا يُحفظ الأمن بِنَشْرِ العلم في أوساط الناس، فإن العلم إذا فشا في بلد ساد في أهله الأمن والأمان، ولا يخفى كيف كان حال العرب قبل الإسلام، من الظلم والبغي والاعتداء وقطع الطريق ونهب الأموال، فلما جاء الإسلام وفشا فيهم العلم ساد الأمن والأمان وذهب ما كانوا يعانونه من الخوف.

* وإن مما نستنكره وندعو إلى الوقوف في وجه من يفعله زعزعة الأمن وترويع الآمنين، والتفجيرات والاغتيالات التي بذرها أعداء الإسلام في بلدان المسلمين؛ لقصد سلبهم هذه النعمة، وتشويه بلدانهم وأنها بلدان يفشو فيها الإرهاب والاعتداء، وفي الحقيقة أن أعداء المسلمين هم من يصنع ذلك، ويدعمون أهله، ويقفون وراء تنفيذه.

وقد جاء ديننا العظيم بالنهي عن ترويع المسلمين، وزعزعة أمنهم، وحذَّر من ذلك ففي سنن أبي داود عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ، فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا».

وفي صحيح مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ ا قال: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْـمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ».

وفي الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ ا قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ».

إلى غير ذلك من الأدلة الناهية عن ترويع المسلمين وزعزعة أمنهم واستقرارهم، فعلى المسلم أن يتقي الله ولا يكون سببا في زعزعة أمن المسلمين، فيُعَرِّض نفسه بذلك لعقوبة الله.

نسأل الله أن يلهم المسلمين رشدهم، ويجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

   كتبه/ أبو عبد الرحمن رشاد بن أحمد الضالعي وفقه الله وسدده

يوم الأربعاء 27 ربيع الآخر 1441هـ